الشاعر مصباح سلمان العابودي.. فلسطيني من المهد إلى اللحد

2022-06-03 17:36:31 By : Ms. Jenny Jian

شاعرٌ لم يشتهر كغيرِهِ، لم يُجمَع ديوانُه، لم يتصدَّر المشهد الثقافي، لم ينضم إلى جمعيات الشعر والشعراء، ولم يصادق الزعماء والمسؤولين.. لكنه كان صبوراً حتى احتلّت قصائده مكانها الصحيح، بعد سن الأربعين (كنوابغ العرب الذبياني والجعدي)، قدّم نفسه وعمله وعلمه فأجّل تعليمه حتى حين، في سبيل فلسطين. قاد التظاهرات، نفذ العمليات، صدح بالقصائد الحماسية لتحريض الشعب والثوار، طارده الاستعمار فخرج من فلسطين، وتابع نضاله من القاهرة.. طلب العلم من المهد إلى اللحد، وتوفي في مرحلة الماجستير، في رسالة عن الأديب الفلسطيني أحمد شاكر الكرمي. فمن هو شاعرنا؟ هو مصباح سلمان العابودي، ولد في مدينة طبرية عام 1908، وتلقّى مبادئ القراءة والكتابة وعلوم اللغة والدين على يدي والده الشيخ سلمان العابودي، الذي كان إماماً وشيخاً أزهرياً. تعلّم في الأزهر، وأتمّ فيه المرحلة الابتدائية، وأتمّ المرحلة الثانوية في مدينة طولكرم، ثمّ التقى مدير بنك الأمّة العربية في فلسطين أحمد حلمي عبد الباقي الذي أعجب به وعيّنه موظّفاً في البنك، وظلّ يتنقّل بين فروعه في حيفا وطولكرم والرملة وغزّة حتّى سنة 1948. وفي أثناء ذلك نشر مقالاته التحريضيّة وقصائدِه الثوريّة ضدّ العصابات الصهيونية والانتداب البريطاني في الصحف التي كانت تصدر في فلسطين، وكان يوقّعها باسم مستعار هو "بدوي الصحراء". وشارك في تفجير أنابيب البترول الممتدّة من العراق إلى حيفا، واضطر للهرب إلى مصر بعد أن أهدر الإنجليز دمه، فلم يشهد نكبة فلسطين عام 1948. في القاهرة، عاش حياة شقاء وفاقة، والتحق بالأزهر، والطريف أنه كان يواصل دراسته الجامعية جنباً إلى جنب مع بعض أبنائه.   أذاع قصائده الحماسيّة والوطنيّة من إذاعة "صوت العرب" وإذاعة "فلسطين" ومحطّة "الشرق الأدنى"، وتخرج من الأزهر حاملاً الشهادة العالية عام 1956، فانتقل في العام نفسه إلى الأردن ليعمل مدرّساً للّغة العربيّة والتربية الدينية في الزرقاء، ثم مديراً لعدد من المدارس الثانوية، ثم عُيّن مفتّشاً للّغة العربية في القدس سنة 1962، وأحيل على التقاعد سنة 1968.   بعد إحالته على التقاعد عاد إلى القاهرة، والتحق بمعهد البحوث والدراسات العربية التابع لجامعة الدول العربية، حيث درس فيه لشهادة الماجستير في الأدب العربي، وكان موضوع بحثه فلسطينياً أيضاً، بعنوان "أحمد شاكر الكرمي الأديب الناقد". لكن المنية وافته قبل الحصول على الماجستير. يتنوع شعره بين التزام الوزن والقافية والتنويع في القوافي، ويعالج موضوعياً بعض القضايا الوطنية والقومية، خاصة القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني، والتحدث إلى اللاجئين، وليس التعبير عنهم بالدعوة إلى الصمود والكفاح.   له قصائد تنتمي إلى الاتجاه الوجداني، عبّر فيها عن الحب والنفس الإنسانية ومشاعرها الفياضة، وقصائد في رثاء أعلام عصره، ومنه رثاؤه أمير الشعراء أحمد شوقي، وأخرى في الإخوانيات والتهاني. جمع مصباح العابودي ديوان شعره في حياته، لكنه توفي قبل أن يطبعه، وما زالت مخطوطة الديوان في حوزة أبنائه. وتوفي في عمّان 28/1/1975. الإنتاج الشعري تنتشر قصائده في كتاب "ألوان من الشعر الأردني"، وفي صحف ومجلات عصره (الفلسطينية)، خاصة في الدفاع، والصراط المستقيم، وصوت فلسطين، وجريدة فلسطين في أعوامها (1932، 1934، 1941، 1944، 1953. 1955)، وبعض الصحف المصرية. من قصائده إلى اللاجئ الفلسطيني لَئِن شَرَّدوكَ فلا تَكتئِبْ                       ..                وإنْ عَذّبَوكَ فلا تَنتَحِبْ وإنْ أَنْكَروكَ فَصِلْ وُدَّهُم                     ..                وخَلِّ إِلَيهِم كَرِيمَ النَّسَبْ وَحاذِرْ فَدَيتُكَ أَن تَشْتَكِي                      ..                صُرُوفَ الزَّمانِ ودَفْعَ النُّوَبْ وَصَبْراً جَمِيلاً عَلى حُكْمِها                     ..                فَإِنَّكَ كَبشُ الفِدا لِلعَرَبْ * * *  فيا مُوقِداً جَمْرَةَ المشرِقِ                     ..              بمصرَ تَلَظَى وَفي جُلَّقِ ويا سيّداً أعتَقَ المُوثَقين                      ..              وما زالَ بالقَيدِ لَم يُعتَقِ يَئِنُّ فتَبكي الثَّرى تحتَهُ                       ..             وقلبُ العُروبَةِ لم يَخفِقِ * * * ثَباتاً فمِثلُكَ من يَثبُتُ                      ..              وتأبى الهزيمةُ روحَ البطَلْ فَغَيظُكَ هذا الذي تكبتُ                   ..              سَيَغدو شُواظاً إِذا مَا اكتمَلْ وكَهفُكَ هذا الذي تنحتُ                  ..              لسَوفَ يهزُّ شِغافَ الجَبَل ونشوُكَ فيهِ الذي تنبتُ                   ..              مَحَطُّ الرَّجاءِ ونبعُ الأملْ